في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم سياسياً واقتصادياً، تلعب التحالفات الدولية دوراً حاسماً في تحديد ملامح المستقبل لمختلف الدول وفي الوقت الذي يشهد فيه النظام العالمي انتقالاً في مراكز القوة باتت القوى الكبرى والناشئة تتنافس على إقامة علاقات وتحالفات متينة ومنها مجموعة بريكس التي تسعى تركيا للانضمام إليها.
وتضم بريكس عدداً من أكبر الاقتصاديات الناشئة في العالم وتسعى الدولة التركية لتعزيز مكانتها العالمية من خلال مساعيها للانضمام إلى هذا التكتل، وهو ما يعكس اهتمامها المتزايد في تطوير علاقاتها مع القوى الصاعدة وتوسيع آفاق التعاون الدولي.
مجموعة بريكس (BRICS) هي تحالف اقتصادي وسياسي يضم خمسة من الاقتصادات الناشئة الرئيسية في العالم: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا. ويسعى هذا التحالف لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وتطوير نظام اقتصادي عالمي أكثر توازناً وعدالة.
تاريخ بريكس وتوسعها
بدأت المفاوضات لتشكيل مجموعة "بريكس" في عام 2006 بعد اتفاق بين أربع دول، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين على تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بينها.
وانضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة في عام 2010، ليصبح اسم التكتل "بريكس". ومنذ بداياتها ضمت المجموعة دولاً ذات ثقل اقتصادي كبير مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى دول لها تأثير كبير في قاراتها مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وفق ما نقله الموقع الخاص بالمجموعة BRICS portal.
ومع توسع المجموعة بانضمام دول جديدة مثل إيران والإمارات ومصر وإثيوبيا، ارتفع عدد سكان دول "بريكس" إلى حوالي 3.5 مليار نسمة، أي ما يعادل 42 % من سكان العالم، فيما تمثل الاقتصادات المشتركة للدول الأعضاء ما نسبته 28% من حجم الاقتصاد العالمي.
أهداف بريكس وتوجهاتها
مجموعة "بريكس" التي تسعى تركيا للانضمام إليها تأسست بشكل رسمي في عام 2009، بعد الأزمة المالية العالمية، لإيجاد بديل للنظام المالي الذي تهيمن عليه المؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتسعى "بريكس" إلى تعزيز فرص التعاون الاقتصادي بين الأعضاء وتحقيق نمو مستدام من خلال تبادل الخبرات والموارد، والحد من الاعتماد على الدول الغربية.
كما تهدف إلى تحقيق توازن في النظام الاقتصادي العالمي يعزز دور الدول النامية في المؤسسات المالية الدولية.
ورغم التنوع الثقافي والسياسي بين الأعضاء، فإن المجموعة تسعى لتحقيق أهداف مشتركة منها:
- تعزيز التعاون الاقتصادي: تسعى بريكس إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء، وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية (مثل الدولار واليورو) في المبادلات التجارية بين الدول.
- إصلاح النظام المالي العالمي: تهدف المجموعة إلى تحقيق تمثيل أكبر للدول النامية، وسعيها لإصلاح المؤسسات المالية العالمية.
- تحقيق التنمية المستدامة: تعمل دول بريكس من خلال استراتيجيات مشتركة على تحقيق تنمية مستدامة، والحد من مشكلات الفقر والتفاوت الاجتماعي.
- تعزيز الاستقرار السياسي والأمني: رغم أهمية الأبعاد الاقتصادية لمجموعة بريكس، فإن الأبعاد السياسية لا تقل أهمية، حيث تسعى المجموعة لتعزيز الحوار السياسي والتعاون الأمني بين الأعضاء.
دوافع تركيا للانضمام إلى بريكس
في إطار سعيها لتعزيز تحالفاتها الدولية، قدمت تركيا طلباً رسمياً للانضمام إلى مجموعة بريكس. وتقف وراء هذه الخطوة التركية عدة دوافع رئيسية منها:
- تنويع الشراكات الاقتصادية: تهدف الدولة التركية إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية بعيداً عن الاقتصادات الغربية التقليدية من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى الناشئة مثل الصين والهند.
- تحقيق الاستقلال الاقتصادي: ترغب الحكومة التركية في التقليل من اعتمادها على النظام المالي العالمي التقليدي، والاستفادة من مبادرات التمويل التي تقدمها المجموعة مثل بنك التنمية الجديد (NDB) لتمويل مشاريع التنمية وتطوير ودعم الاقتصاد التركي.
- تعزيز النفوذ السياسي: ترى الدولة التركية أن الانضمام إلى بريكس سيمنحها المزيد من النفوذ على الساحة الدولية، ومن خلال المشاركة في هذه المجموعة، يمكن لها أن تساهم في صياغة السياسات الاقتصادية العالمية.
- تعاون في مجال الطاقة: تسعى الدولة التركية إلى تعزيز تعاونها مع دول بريكس في مجال الطاقة، خاصة مع روسيا والبرازيل، لتأمين مصادر الطاقة لتغطية احتياجاتها المتزايدة.
- التحول الجيوسياسي: تسعى الدولة التركية إلى إعادة تحديد موقعها الجيوسياسي في إطار التحولات التي يشهدها النظام العالمي الجديد. من خلال الانضمام إلى بريكس، يمكن لها أن تعزز علاقاتها مع الشرق وتحد من اعتمادها على الغرب.
ماذا تستفيد بريكس من انضمام تركيا؟
يمكن أن يقدم انضمام الدولة التركية إلى بريكس إضافات كثيرة، إذ تمزج أنقرة بين كونها سوقاً استهلاكياً ضخماً وامتلاكها قاعدة صناعية متقدمة، إلى جانب قطاع سياحي مزدهر.
ويمكن أن يخلق انضمام أنقرة فرصاً كبيرة للتجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، ويعزز التعاون في المجال الصناعي، كما يمكن أن يسهم في تنشيط قطاع السياحة بين تركيا ودول المجموعة الأخرى.
أيضاً، يمكن أن تؤدي مشاركة الدولة التركية في بريكس إلى تعزيز مكانة المجموعة على الساحة الدولية وفتح مجالات تعاون جديدة في الاقتصاد والسياسة بين الدول الأعضاء وفق ما نقلته وكالة الأناضول.
كما أنّ تركيا بموقعها الاستراتيجي يمكن أن تعزز نفوذ المجموعة، لما تمثله من كونها جسراً يربط بين بريكس والدول الأوروبية، مما يساهم في تعزيز تحالفات المجموعة دولياً.