يُعد الدستور الإطار الأساسي الذي ينظم عمل الدولة في مختلف المجالات، خاصة المجال القانوني. وشهدت تركيا صياغة أربعة دساتير مختلفة، خضعت للعديد من التعديلات لكن هناك 4 مواد في الدستور التركي لا يمكن تعديلها نتحدث عنها ضمن مقالنا.
ودستور تركيا الصادر عام 1982 الذي لا يزال يعمل به حتى اليوم يتميز عن غيره بحصانة مواده الأربع الأولى ضد أي تعديل. وهذا يطرح التساؤل: لماذا هذه المواد بالتحديد؟ وما مضمونها؟
ولفهم الأسباب الكامنة وراء هذه الحماية الدستورية لهذه المواد، يجب النظر بإمعان في مضمون هذه المواد وأبعادها.
ويشير معظم القانونيين إلى أن هذه النصوص في الدستور التركي تمثل المبادئ الأساسية التي قامت عليها الجمهورية التركية، بعد مسيرة مليئة بالتحديات.
ويدور جدل قانوني حول استحالة تعديل هذا المواد وهذا ما يعكس أهميتها في الحفاظ على استقرار الدولة وضمان هويتها.
ماذا يعني الدستور؟
الدستور هو بمثابة عقد اجتماعي يحدد سلطات الدولة وحقوق مواطنيها. وهو القانون الأعلى في البلاد ولا يجوز لأي تشريع آخر أن يخالفه كونه يضع الأسس لبنية النظام السياسي و الاجتماعي، ويحدد كيفية عمل المؤسسات والهيئات الحكومية، إلى جانب تنظيم حقوق وحريات الأفراد.
وتكمن أهمية الدستور في كونه الضامن لاستقرار الدولة وحماية حقوق المواطنين. وبغض النظر عن التعديلات التي يمكن إدخالها على القوانين، تبقى حدود الدولة وأسسها ثابتة بفضل نصوص الدستور.
ولهذا السبب، يتمتع الدستور بأهمية كبيرة، ويجب على كل مواطن أن يعرف حقوقه التي يكفلها له الدستور، وأن يدافع عنها، كما يتوجب عليه معرفة واجباته أيضاً.
مواد الدستور التركي
تمثل المواد الأربع الأولى من دستور تركيا الحالي، الذي وُضع في 1982 الأسس الرئيسية للجمهورية. وهي نصوص غير قابلة للتغيير أو حتى الاقتراح بتعديلها وفق تصريحات العديد من المسؤولين الأتراك.
تُحدد هذه المواد طبيعة النظام في تركيا والهوية الوطنية للدولة.
لنلقِ نظرة على هذه المواد الأربع وفق ما رصده موقع أوراق تركيا عن cnnturk:
- المادة الأولى: تنص على أن دولة تركيا هي جمهورية. هذه المادة تُرسيخ للنظام الجمهوري كأحد الثوابت التي لا يمكن التلاعب بها.
- المادة الثانية: تحدد أن تركيا هي دولة ديمقراطية، علمانية، واجتماعية، تقوم على سيادة القانون. كما أنها تلتزم بحقوق الإنسان والمبادئ التي وضعها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.
- المادة الثالثة: الدولة التركية كلٌّ لا يتجزأ، لغتها اللغة التركية، وعلمها هو العلم الأحمر الذي يتضمن هلال ونجمة بيضاء، ونشيدها الوطني هو نشيد الاستقلال، وعاصمتها أنقرة.
- المادة الرابعة: شكل الدولة في المادة الأولى، وخصائص الجمهورية في المادة الثانية، وأحكام المادة الثالثة، لا يمكن تغييرها أو اقتراح تغييرها.
لماذا لا يمكن تغيير تلك المواد من الدستور التركي؟
تعد المواد الأربع الأولى من الدستور التركي الركائز الأساسية التي قامت عليها الجمهورية بعد سنوات من النضال والتحديات. وتهدف هذه المواد إلى حماية هوية الدولة واستقرارها من أي تغييرات جذرية قد تؤثر على نظامها السياسي والاجتماعي.
ويعتقد خبراء القانون أن تعديل هذه المواد قد يؤدي إلى زعزعة أسس الدولة وإضعاف قيم الديمقراطية و العلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية.
وتمثل هذه المواد خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، حتى مع وجود رغبة في تعديل الدستور، إذ أن تركيا قد تشهد تغييرات جوهرية في هويتها الوطنية وشكل نظامها السياسي في حال المساس بهذه النصوص.
وعلى الرغم من وجود تفسيرات قانونية تشير إلى أن تعديل المادة الرابعة قد يسمح بتعديل المواد الثلاث الأولى، فإن ذلك يُعد خطوة استثنائية وقد يؤدي إلى إعادة تشكيل هيكل الدولة من جديد.
تاريخ الدساتير في تركيا
مرّ الدستور التركي تاريخياً بعدة محطات رئيسية. بدءاً من سند الاتفاق عام 1808، الذي لا يمكن اعتباره دستوراً بالمعنى الحديث، لكنه كان أول خطوة نحو الفكر الدستوري في الإمبراطورية العثمانية.
تم توقيع ذلك الاتفاق بين السلطان محمود الثاني والباشوات، وهدف إلى تقليص سلطة السلطان وتحديد صلاحيات الحكومة.
تلا ذلك القانون الأساسي عام 1876، الذي كان أول دستور رسمي في تاريخ تركيا. بعد ذلك جاء قانون التشكيلات الأساسي عام 1921، الذي وضع بعد تأسيس البرلمان التركي.
لكن ماذا عن الدساتير بعد تشكيل الجمهورية التركية؟
الدستور الأول للجمهورية التركية وُضع عام 1924، تبعه دستور 1961 الذي جاء بعد انقلاب 1960، وأخيراً دستور 1982 الذي يُعمل به حتى الآن.
كل هذه المحطات شكلت تاريخاً طويلاً من المحاولات لضبط شكل النظام السياسي وتحديد حقوق وواجبات الدولة والمواطنين.
وبغض النظر عن الجدل الدائر مؤخراً حول قابلية وقانونية تعديل مواد الدستور التركي، إلا أنها تبقى الركيزة الأساسية التي بُنيت عليها الجمهورية التركية من خلال تحديدها لشكل الدولة وطبيعتها.
ولنظرة أكثر عمقاً في الدستور وفهم السياسة في تركيا يمكن الإطلاع على المقال التالي ضمن موقع أوراق: "كتاب تركيا القرن الجديد.. محتوى أكاديمي لفهم الخريطة السياسية التركية".