يعد محمد عاكف آرصوي واحدا من الأسماء التي تحظى بحب واهتمام وتقدير لدى الشعب التركي.
إذ أن الشاعر آرصوي ترك بصمته الواضحة في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة عبر شعره ودوره المميز في العديد من الفعاليات الوطنية والدينية.
مؤلف النشيد الوطني التركي
السبب الأبرز في ذيع صيت وشهرة محمد عاكف آرصوي، هو تأليفه للنشيد الوطني للجمهورية التركية.
إذ لا يزال النشيد الوطني معتمدا إلى يومنا هذا بعد مرور ما يقرب من 100 عام على تأسيس الجمهورية الحديثة، وهو الذي يعني الكثير للأتراك بكلماته القوية ولغته الحماسية المميزة.
وبهذه المكانة العظيمة، أسر آرصوي قلوب الأتراك، وبدأوا في إطلاق اسمه على أبنائهم، وليس مصادفة أن أحد الصحفيين الأتراك المشهورين اليوم يدعى محمد عاكف آرصوي.
ليس هذا فحسب، فتقديرا له ولمكانته وأثره، أعلنت قناة تي آر تي الرسمية (TRT) في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن تصوير وإنتاج مسلسل قصير يتكون من 13 حلقة باسم عاكف (Âkif).
وجرى الانتهاء من تصوير المسلسل نهاية 2022، ومن المرتقب بثه عبر المنصات الرقمية للقناة خلال العام 2023.
في هذا التقرير نرصد لكم في منصة أوراق أبرز المناقب المأثورة عن حياة شاعر الأمة التركية المخضرم محمد عاكف آرصوي أحد الشعراء المهمين في التاريخ التركي.
مولد ونشأة محمد عاكف آرصوي (Mehmet Âkif Ersoy)
ولد محمد عاكف آرصوي في 20 ديسمبر/كانون الأول 1873 في حي ساريجوزيل (Sarıgüzel mahallesi) بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول.
أمه هي أمينة شريف هانم، وهي ابنة لعائلة هاجرت من مدينة بخاري الواقعة اليوم في أوزباكستان إلى الأناضول؛ ووالده هو محمد طاهر أفندي، من مواليد كوسوفو وأحد معلمي مدرسة مسجد الفاتح.
أعطاه والده اسم "راغف" (Ragîf) الذي يشير إلى تاريخ ميلاده من خلال حسابه باللغة الأبجدية، ولكن بما أن نطقه كان صعبا، فقد أطلق عليه أصدقاؤه وأمه اسم "عاكف"، وبمرور الوقت تبنى هذا الاسم.
تعليم الشاعر التركي محمد عاكف آرصوي
بدأ محمد عاكف آرصوي تعليمه الأولي في مدرسة حي الأمير البخاري في الفاتح، وبعد ذلك بعامين، انتقل إلى المدرسة الابتدائية (İptidai İlkokulu)، وبدأ في تعلم اللغة العربية من والده.
بدأ في عام 1882، تعليمه الثانوي في ثانوية مركز الفاتح، وفي الوقت نفسه، كان محمد عاكف آرصوي يواظب على دروس اللغة الفارسية في مسجد الفاتح.
وكان دائما يفوز بالمركز الأول في اللغات التركية والعربية والفارسية والفرنسية طوال فترة تعليمه في المدرسة الإعدادية.
وبعد تخرجه في المدرسة الثانوية، التحق بمدرسة الملكية عام 1885، إحدى المدارس الشعبية في ذلك الوقت، وفي عام 1888 أثناء التحاقه بالتعليم العالي فقد والده.
في العام التالي، أصاب العائلة الفقر وتشردت بسبب احتراق منزلهم في حريق الفاتح الكبير، إلى أن بنى أحد طلاب والده ويدعى "مصطفى سيتكي"، منزلا جديدا للعائلة على نفس قطعة الأرض التي وقع بها الحريق.
ترك محمد عاكف الخدمة المدنية لأنه أراد الحصول على مهنة مختلفة والدراسة في مدرسة داخلية، إذ التحق بالمدرسة الزراعية والبيطرية (مدرسة الزراعة والطب البيطري)، والتي كانت أول مدرسة بيطرية مدنية جرى افتتاحها حديثا في تلك السنوات.
أظهر اهتماما كبيرا بالرياضة خلال سنوات دراسته؛ فشارك في مسابقات المشي الطويل والجري والرمي خاصة في المصارعة والسباحة.
مناصب تقلدها الشاعر محمد عاكف آرصوي
ازداد اهتمامه بالشعر في العامين الأخيرين من المدرسة البيطرية، وتخرج في القسم البيطري بالمركز الأول عام 1893.
في وقت لاحق، بدأ بتدريس اللغة التركية في هذه المدرسة، ونشر قصائده ومقالاته في مجلة ثروة الفنون المصورة (Servet-i Fünun Dergisi)، إذ نُشر أول عمل له بعنوان "دعوة إلى القرآن" المكونة من 7 أبيات، في هذه المجلة عام 1895.
خدم في روميليا والأناضول والجزيرة العربية لمدة 4 سنوات، وقد أثرت هذه الرحلات بشكل كبير على فكر محمد عاكف آرصوي وحياته الأدبية.
تزوج من سيدة تدعى عصمت هانم عام 1898، وهو في الـ25 من عمره، وخلال نفس السنوات، نُشرت أشعاره وترجماته من العربية والفارسية والفرنسية في مجلة معارف ومجلة ثروة الفنون المصورة.
في عام 1906، عين مدرسا في مدرسة هالكالي الزراعية، وفي عام 1907 عين كمدرس للغة التركية في مدرسة المكائن الزراعية.
بعد ذلك بعام، جرى تعيينه مديرا مساعدا لقسم Umur-i Baytariye في إسطنبول، خلال الفترة التي أعلن فيها النظام الملكي الدستوري الثاني.
أصبح محمد عاكف آرصوي رئيس تحرير صحيفة الصراط المستقيم (Sırat-ı Müstakim dergisi)، ونشر في هذه المجلة قصائده الأكثر شهرة، وهي السلة "Küfe" وسيفي بابا "Seyfi Baba" في الفترة ما بين عامي 1908-1910.
خدم في مناصب مختلفة خلال حرب البلقان، وحروب تشانكالي وحرب الاستقلال، وذهب إلى ولاية باليك إيسير (Balıkesir) في 6 فبراير/شباط 1920 لإلقاء خطبة حماسية للغاية في مسجد زاغنوس باشا.
وفي ظل الاهتمام غير المتوقع من الناس، ألقى خطبا وكلمات في العديد من الأماكن الأخرى في الولاية.
وعند عودته إلى إسطنبول، جرى فصله من منصبه بسبب الخطاب الذي ألقاه في باليك إيسير. وبعد تشكيل حكومة أنقرة، دخل البرلمان كنائب عن ولاية بوردور.
حكاية النشيد الوطني في تركيا
في عام 1921، ذهب محمد عاكف آرصوي إلى أنقرة، واستقر في نُزل يدعى تاج الدين، لكنه لم يشارك في مسابقة النشيد الوطني التي افتتحت للمشاركين مقابل جائزة قدرها 500 ليرة.
لاحقا، وبناء على طلب وزير التربية والتعليم التركي حمد الله صوفي، اقتنع بتشجيع من صديقه حسن البصري بك بالمشاركة في المسابقة، ليفوز شعره بالمسابقة من بين 724 قصيدة شاركت بها.
وقد جرى قبول قصيدة محمد عاكف آرصوي باعتبارها النشيد الوطني يوم السبت 12 مارس /آذار 1921، بعد أن قرأها حمد الله صوفي.
واُستمع إليه في البرلمان، فيما تبرع عاكف بمبلغ الـ 500 ليرة للأعمال الخيرية.
والقصيدة المذكورة لحنها عثمان زكي أنجور في عام 1924، واعتمدت بشكل رسمي على أنها "النشيد الوطني لجمهورية تركيا"، منذ ذلك اليوم حتى الآن.
بعد نصر سكاريا عام 1921، توجه محمد عاكف آرصوي إلى مصر بسبب عدم رضاه عن النظام العلماني الجديد للدولة، وعمل هناك في تدريس اللغة التركية وآدابها حتى عام 1936.
مرض ووفاة الشاعر محمد آرصوي
ذهب إلى لبنان عام 1935 للعلاج، ثم إلى أنطاكيا عام 1936، ومع تطور حالته المرضية، عاد إلى بلاده وتوفي في إسطنبول في 27 ديسمبر/كانون الأول 1936، ودفن في مقبرة شهداء إدرنة كابي في إسطنبول.
أهم أعمال الشاعر التركي محمد عاكف آرصوي
- النشيد الوطني التركي (İstiklal Marşı)
- صفحات (Safahat) الذي جمع فيه أعماله الأدبية في سبعة كتب، إذ بدأ به عام 1911 وأنهاه عام 1933، ويتكون من:
- في كتابه الأول عام 1911، تناول الفترة الدستورية للمجتمع العثماني
- في كتابه الثاني بعنوان "كرسي السليمانية" عام 1912، تناول المثقفين العثمانيين
- في عام 1913، ألف الكتاب الثالث من صفحات في كتاب بعنوان "أصوات الشعب"
- في عام 1914، ألف الكتاب الرابع بعنوان "في كرسي الفاتح"
- في عام 1917، ألف الكتاب الخامس بعنوان "مذكرت"
- في عام 1924، ألف الكتاب السادس بعنوان" عاصم"، والذي يحتوي على وجهات نظره حول الحرب العالمية الأولى
- في عام 1933، كتب الكتاب الأخير والسابع بعنوان " الظلال"