من أول الأشياء التي تتبادر إلى الذهن عند ذكر قونيا هي الدولة السلجوقية في الأناضول.
إذ حكم السلاجقة منطقة الأناضول من عام 1075 إلى عام 1308، وقد تركوا خلال تلك الحقبة آثارا معمارية وثقافية مهمة في العديد من المدن.
تظهر هذه الآثار بشكل خاص في كل من ولايات سيفاس، أرزروم، قيصري، أهلاط، إزنيق وقونيا، والتي بقيت حتى يومنا هذا في العديد من المواقع التاريخية.
وبعد أن نقلت الدولة السلجوقية عاصمتها إلى قونيا، قامت بأعمال في كل ركن من أركان المدينة وأثرت عاصمتها بالعديد من الآثار.
وبعد انهيار الدولة السلجوقية، استمرت قونيا في كونها مدينة مهمة للدولة العثمانية، كما استمرت أعمال البناء في المنطقة في عهد الإمبراطورية العثمانية، وكذلك الحال اليوم إذ تتمتع المدينة بمكانة مهمة بين المدن الكبرى في تركيا.
في هذا التقرير ترصد لكم منصة أوراق أبرز المساجد والآثار التاريخية الشاهدة على حقبة الدولة السلجوقية والحقب اللاحقة لها.
أبرز المساجد والآثار التاريخية في مدينة كونيا التركية
مسجد إبليكتشي (İPLİKÇİ CAMİİ)
يقع في مركز مدينة قونيا، وقد بني على يد شمس الدين ألتون في عام 1202 خلال العهد السلجوقي، ويعتبر من أوائل المساجد التي شُيدت عندما جاء السلاجقة إلى قونيا.
بني المسجد بشكل مستطيل وعرضي، كما أنه مدعوم بهيكل داخلي سميك ومقوس، ومحرابه مصنوع من رخام خاص يسمى رخام السماء.
يتمتع المسجد بمكانة خاصة لدى الصوفيين، إذ أن جلال الدين الرومي الملقب بـ "مولانا"، عاش في ركن من هذا المسجد لفترة عندما جاء إلى قونيا أول مرة.
وتشير الروايات أن اسم المسجد يأتي من حقيقة أن مدخله ومخرجه يواجهان سوق المغازل، بالتركية (iplikçiler çarşısı).
ومن ميزات المسجد الأخرى أنه يحتوي على نافورة صوتية، ولهذه النافورة أمر عجيب يثير حيرة الزائر.
فإذ كنت تتحدث من الأعمدة المتقابلة في نافورة مسجد إبليكتشي، فإن صوتك يخرج كما هو اعتياديا.
ولكن إذا وقفت على عمود آخر لا يقابله عمود، يختفي الصوت إلى حد كبير.
من نواح عدة، يتمتع المسجد بسمعة مستحقة كواحد من أكثر المساجد إثارة للاهتمام في قونيا.
مسجد العزيزية (AZİZİYE CAMİİ)
بني مسجد العزيزية عام 1867 من قبل السلطان عبد العزيز، ويقع في مركز ولاية قونيا.
يتميز المسجد بوجود تطريزات ذهبية على قباب ركنه، كما أن نوافذه الكبيرة الممتدة على الأرض تضمن أن يكون مشرقا طوال اليوم.
ومما يثير الغرابة لدى زواره أن نوافذه أكبر من أبوابه.
ميزة أخرى لمسجد العزيزية هي هيكل المئذنة، إذ كانت المآذن سميكة نسبيت في عهد السلاجقة، وأصبحت مدببة وطويلة في عهد العثمانيين. إذ أن الهندسة المعمارية المختلطة تبرز في هذا المسجد.
كما أن هذا المسجد له تاريخ أكثر حداثة مقارنة بمساجد قونيا الأخرى، إذ تظهر فيه آثار العمارة الباروكية الأوروبية.
بالإضافة إلى أن الجزء الخارجي من الهيكل يشبه المآذن في المدن الإيرانية وله سطح لامع.
مسجد علاء الدين (ALAADDİN CAMİİ)
بني مسجد علاء الدين عام 1220 على تلة علاء الدين التي تعتبر اليوم مركزا لمدينة قونيا.
يعتبر مرتفع جدا مقارنة بمحيطه، وكان يعتبر أكبر مسجد في قونيا، إذ توسيعه من قبل الحكام اللاحقين للولاية.
كما تتواجد العديد من القباب في حديقة المسجد.
داخل المسجد مستطيل الشكل ومثبت بأعمدة رخامية، إذ جرى إثراء كل رخام بشكل فريد خاص به.
ومن ميزاته الأخرى أن منبره مصنوع من خشب الأبنوس. ويحمل النقش الرئيسي لهذا المنبر توقيع هاجى مينقو بيرتي (Hacı Mengü Berti) من مدينة أخلاط التركية والذي يعود إلى عام 1155م.
مدرسة المئذنة الرفيعة (İNCE MİNARELİ MEDRESE)
بنيت عام 1254 من قبل الوزير السلجوقي صاحب عطا فخر الدين علي.
على الرغم من أن العديد من أجزاء المدرسة - التي شيدت لأغراض التعليم الديني وخاصة الحديث الشريف - قد تعرضت للتدمير بسبب عوامل طبيعية مثل البرق، فإن الهيكل الرئيسي ومئذنته المصنوعة من النقوش المزججة، لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.
يبرز الباب كأحد أكثر أجزاء المدرسة خصوصية، إذ يقع عند المدخل ويضم سور الفتح وياسين المطرزتين عليه.
الجزء الأول اللافت للنظر من الداخل هو الزخارف الركنية المكسوة بالبلاط، والنوافذ التي توفر الانسجام بين اللونين الأزرق والرمادي.
في الغرف الموجودة داخل المدرسة، يجري عرض العديد من القطع الأثرية التي عثر عليها في المنطقة، مثل توابيت القبور، وأعمال الحجر المجزأة، وشظايا البلاط المتبقية من المبنى الأول، والخشب المعالج وشواهد القبور في الغرف.
تستخدم المنارة اليوم كمتحف تابع لوزارة الثقافة والسياحة، ويمكن الدخول إليها برسوم رمزية قدرها 10 ليرات فقط.
ومن أكثر الأجزاء المميزة بالمتحف، شكل الأعمال الداخلية للقبة التي تخلق بيئة صوفية مبهرة.
مسجد سيلا تشاي (SİLLE ÇAY CAMİİ)
يقع المسجد في منطقة سيلا، إحدى أهم مناطق السياحة في قونيا، وهي تبعد عن مركز المدينة مسافة 10 كم.
يعود تاريخ سيلا إلى العصور القديمة جدا، إذ أن لديها تاريخا واسعا من المستوطنات الصخرية وأقدم الكنائس في الأناضول.
وقد زاد عدد المسلمين في المنطقة بشكل خاص منذ القرن التاسع عشر، وهو ما دفع إلى بناء هذا المسجد الذي يأخذ اسمه من مجرى المياه المقابل له.
اليوم يرتفع المسجد مباشرة على ضفاف مجرى النهر الذي يتدفق كقناة بطريقة منظمة، ويجذب الانتباه بهيكله الخشبي وتصميمه الداخلي الواسع.