قد تستغربون للوهلة الأولى من اسم مسجد "كأني أكلت"، وقد تتساءلون عن سبب تسميته بهذا الاسم، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب.
مسجد "كأني أكلت" أو "Sanki Yedim Cami" (سانكي يدم) باللغة التركية، واحد من مساجد تركيا الشهيرة، اكتسب شهرته من قصته الغريبة واسمه، وربما يعتبر المسجد الأشد غرابة وإلهاما.
ولم يرد بطل هذه الحكاية أن يخلد اسمه، فأطلق اسما فريدا يخلد به قصة بنائه مسجد كأني أكلت، وتناقلت الأجيال المجاورة للمسجد نفس القصة بنفس التفاصيل.
تعود قصة المسجد إلى القرن الـ17 الميلادي في العهد العثماني، وترتبط برجل يدعى "خير الدين كتشيجي أفندي" الذي يعد صاحب الفضل في بنائه.
كان هذا الرجل تاجرا من الطبقة الوسطى، ترجح أغلب الأقاويل أنه كان يرى جوامع السلاطين العثمانيين الكبرى، ويحدث نفسه بأن يبني مسجدا ليكون عملا صالحا وصدقة جارية له.
وتحكي الرواية أن كتشيجي أفندي كان يمشي في أسواق إسطنبول ويرى من الأكلات ما لذ وطاب معروض أمامه، لكنه لم يكن كغيره من البشر، إذ كان يشعر بالرغبة فيها والضعف اتجاهها دون أن يشتريها.
ظل كتشيجي أفندي يمتنع عن إرضاء نفسه ويضع ثمن ما اشتهاه في صندوق في بيته، ويضرب على بطنه قائلا: "كأني أكلت" في إشارة إلى أنه حصل على ما اشتهته نفسه.
تراكمت الأموال في الصندوق يوما بعد آخر وسنة بعد أخرى وأصبح بإمكان الرجل عزيز النفس تحقيق أمنيته التي طال انتظارها، وجاهد نفسه من أجل تحقيقها.
همّ الرجل ببناء مسجد كأني أكلت لكنه لجأ إلى صديقه محمد شوقي أفندي الذي ساعده في إتمام البناء، من خلال تقديم المساعدة المادية والمعنوية.
حين جاءت مرحلة تسمية المسجد، استذكر خير الدين ما مر به خلال السنوات التي سبقت البناء، فقرر هو وجيرانه إطلاق تسمية كأني أكلت.
ظل المسجد صامدا لعهود إلى أن توفي خير الدين وهدم الجامع بعده في أعقاب الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، لكن سيرة مسجد كأني أكلت وصاحبه لم تُمحَ من الذاكرة، فقرر أهالي إسطنبول إعادة بنائه سنة 1960.
وبني مسجد كأني أكلت من الخرسانة المسلحة وله قبب كبيرة و4 أرباع مغطاة بالرصاص، وتحتوي المئذنة على شرفة واحدة مبنية من الخرسانة المسلحة.
ولا يتميز الجامع بأي مشهد من مشاهد التفنن المعماري، فهو بالغ البساطة والزهد في بنائه، لأن القائمين على ترميمه حاولوا الحفاظ على نهج من بناه أولا.
وبقي اسم مسجد كأني أكلت يذكر كل من مر به وصلى فيه، بأن المرء لا ينبغي له أن يشتري كل ما يشتهي، بل وعندما تحدثه نفسه بالإسراف وشراء الأشياء غير الضرورية، فينبغي أن يكون شعاره حينها "كأنني أكلت".
وإذا زرت إسطنبول ونزلت في منطقة الفاتح سيوُصلك شارع كرباجي نام kirbaci nam sok إلى مسجد "كأني أكلت" بين البيوت والمساجد القديمة التي تحافظ على إرثها هناك.
وتبلغ مساحة أغرب مسجد في مدينة إسطنبول حوالي 100 متر مربع للمساحة الداخلية، و130 متر مربع للمساحة الخارجية، ويمكن أن يتسع لـ 200 مصل.
وظل المسجد شاهدا على إخلاص وزهد عميقين لرجل فقير، ابتعد عن ملذات الحياة ورغد العيش من أجل أن يبني جامعا يبقى أثرا في الحياة الدنيوية.
وبعد سنوات من رحيل خير الدين ظل أثره حاضرا في قصته التي يستخلص منها حكمة عميقة تترك أثرها في النفوس حين التفكير فيها.