لا يكتمل شهر رمضان في تركيا من دون موائد الرحمن التي تعتبر من أهم عادات الشهر الفضيل التي عرفها الأتراك منذ عقود.
وفي كل رمضان تشهده تركيا، توزع المساجد والأماكن العامة طاولاتها في مختلف المناطق والأحياء، لتشكل موائد يطلق عليها موائد الرحمن في تركيا.
وتهدف موائد الرحمن في تركيا لأن تكون نقطة التقاء الصائمين في أجواء روحانية ليتقاسم الناس فرحة الإفطار، وتكون مقصدا لأبناء السبيل.
وتنظم الجمعيات الخيرية بالتعاون مع أهل الخير موائد الرحمن التي يحضرها الفقراء والمساكين والمُحتاجون وذوي الدخل المحدود.
وتُقام موائد الرحمن عادة في الساحات والأماكن العادة ويجري فيها توزيع وجبات الإفطار بالإضافة للحلوى والمشروبات الرمضانية.
وما أن يقترب وقت حلول المغرب يتوافد الآلاف إلى موائد الرحمن في تركيا، فمنهم من يأخذ وجبته ويتقاسم المكان مع الناس في المحيط، ومنهم من يجلس على الطاولات في الخيم المكتظة، ينتظرون مجتمعين آذان المغرب.
وتمتد طوابير لعشرات الأمتار ومع اقتراب لحظات الإفطار، يتشارك الحاضرون اللحظات الروحانية، وتتلى آيات من القرآن الكريم وتختتم فقرة ما قبل الأذان بالأدعية والابتهالات.
وما إن يدخل وقت الإفطار يبدأ الحاضرون بتناول ما تم تقديمه على موائد الرحمن، لتكون اللحظة التي تميز شهر رمضان في تركيا، بأن تجمع بين مختلف الشرائح، بين جميع الحاضرين على مختلف طبقاتهم، على سفرة ولقمة واحدة.
تاريخ موائد الرحمن في تركيا
فكرة موائد الرحمن ليست جديدة، إنما تعود في جذورها للعصر العثماني، وكانت تسمى بالموائد السلطانية الذي تغير فيما بعد إلى الموائد الملكية، إلا أنها اختفت مع بداية القرن الماضي، لتظهر مرة أخرى في سبعينياته.
ترجع فكرة موائد الرحمن إلى ولائم الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين، ويُروى أن أحمد بن طولون حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية أول من رأى في شهر رمضان مناسبة كريمة لاستثمار الفضائل.
وأمر ابن طولون بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين لكي ينفقوا عليها.
وعرفت موائد الرحمن الرمضانية في العصر الفاطمي وكان الخليفة يعد مائدة كبيرة في قاعة الذهب بقصره تمتد من الليلة الرابعة من رمضان حتى الليلة السادسة والعشرين.
وكان يُدعى إليها كبار رجال الدولة والأمراء والوزير وقاضي القضاة، إضافة إلى موائد أخرى في مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر، وكذلك إناء مملوءة بالطعام تخرجها مطابخ قصر الخليفة للمحتاجين.
ويعتبر الخليفة الفاطمي العزيز بالله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، وأقام طعاما في الجامع الأزهر مباحا لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان.
وفي العصر الفاطمي كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين أو عابري السبيل أو الفقراء والمحتاجين.
وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمون بموائد الإفطار التي تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة، وكذا التي تقام في المساجد الكبرى حتى بلغت نفقات شهر رمضان مدة 27 يوما ثلاثة آلاف دينار.