تعد منطقة البحر الأسود أي كارا دينيز karadeniz في تركيا موطنًا لثقافة غنية ومتنوعة، شكلتها جغرافيتها وتاريخها وشعبها الفريد، وهي منطقة تشتهر بغاباتها الخصبة وجبالها الشاهقة وساحلها الهادئ.
وتضم منطقة البحر الأسود ولايات فريدة ومدن مختلفة ذات تنوع عرقي مذهل، فيضم ساحل البحر الأسود في تركيا 18 مدينة من الشرق إلى الغرب، أبرزها آرتفين، وريزا، وبايبورت، وطرابزون، وغوموش خانة، وغيراسون، وأوردو، وطوقات، وأماسيا، وسامسون.
سنذهب في هذا التقرير إلى رحلة استثنائية للتعرف على ثقافة تلك المنطقة الساحرة.
ثقافة منطقة البحر الأسود في تركيا
تشتهر منطقة البحر الأسود في تركيا بتاريخها الحافل بالحضارات المزدهرة، وهذا التنوع الثقافي يظهر جليًا في سكان المنطقة.
استوطن تلك المنطقة العديد من الشعوب من بينهم اليونانيون والروس والجورجيون والأرمن وشعب اللاز والأتراك.
وقد انعكس هذا التنوع على الثقافة واللهجة لسكان المنطقة، حيث تكثر الكلمات القادمة من اللغة اللازية والجورجية نتيجة لامتزاج تراث هذه الشعوب في إطار ثقافي خاص بالبحر الأسود، لذلك تتميز لهجة سكان البحر الأسود عن بقية المناطق في تركيا.
عادات سكان منطقة البحر الأسود
تكونت الفسيفساء الثقافية لسكان البحر الأسود نتيجة لتعايش والتسامح لمختلف الأعراق التي عاشت في هذه المنطقة.
ويتمتع سكان منطقة البحر الأسود رغم اختلاف المدن بعدد من العادات الأصيلة تشمل بعض العادات الأكثر شيوعًا ما يلي:
- كرم الضيافة، يشتهر سكان منطقة البحر الأسود بكرم ضيافتهم، إذ يسعدهم دائمًا الترحيب بالضيوف في منازلهم سواء أجانب أو أتراك.
- تغلب الثقافة المحافظة على أغلب السكان في المنطقة، لذلك يتمتع سكان البحر الأسود بإحساس قوي بالاحترام والتقدير لكبار السن.
- يشتهر أهل منطقة البحر الأسود بحب الحياة والموسيقى والرقص، فتعد الموسيقى والأغاني جزءًا أساسيًا من حياة سكانها وتمتاز بأسلوبها الفريد والمميز.
وتعكس هذه الأغاني تراثًا غنيًا وتنوعًا ثقافيًا يمزج بين تأثيرات متعددة. فمن خلال اللغة اللازية واللهجة الخاصة بأهل البحر الأسود، تندمج الكلمات التركية واللازية بشكل رائع لتشكل نمطًا فريدًا من الشعر والموسيقى.
وتعبر الأغاني الشعبية عن مختلف جوانب الحياة في المنطقة، بدءًا من المواضيع الرومانسية والحب، وصولاً إلى قصص الحياة اليومية والعمل في الزراعة والصيد.
كما تحمل بعض الأغاني الشعبية روح الفرح والاحتفالات، وتستخدم خلال المناسبات الاجتماعية والحفلات التقليدي.
الموسيقى لدى سكان البحر الأسود في تركيا
- من أبرز أدوات الموسيقى التقليدية التي تستخدم في المنطقة هي الكمنجة (الربابة التركية) Kemençe، وهي آلة وترية مشابهة للكمان، وتعزف على الوتر العامودي.
- كما يستخدمون "التولوم Tulum، وهي آلة تشبه العبوة يعزف عليه بواسطة النفخ.
- ويعتبر الداف Davul، وهو الطبل كبير، أحد الآلات الإيقاعية المشهورة في هذه المنطقة.
وتاريخيًا، لعبت منطقة البحر الأسود دورًا مهما في إثراء الموسيقى التركية من خلال إسهامات الفنانين والمغنين البارزين لديها.
وواحد من أبرز هؤلاء الفنانين هو كاظم كوينجو" Kazım Koyuncu"، الذي تمكن من تجديد وتحديث أغاني البحر الأسود وتقديمها بأسلوب حديث يلبي أذواق الجمهور.
وهناك العديد من الأسماء التي أثرت موسيقى أهل البحر الأسود، مثل فولكان كوناك "Volkan Konak" وشيفال سام "Şevval Sam" ورسول ديندار "Resul Dindar".
الرقصات الشعبية لسكان منطقة البحر الأسود
وبجانب الغناء تشتهر منطقة البحر الأسود برقصاتها الشعبية وأبرزها:
- الهورون Horon: رقصة حية يتم تنفيذها في دائرة، ويمسك الراقصون بأيديهم البعض ويحركون أقدامهم في نمط إيقاعي سريع.
- رقصة كارشيلاما Karşılama: عبارة عن رقصة أبطأ من الهورون يتم إجراؤها في أزواج، حيث يواجه الراقصون بعضهم البعض ويحركون أجسادهم بأسلوب رشيق ومتدفق.
- رقصة البار BAR: وهذه رقصة يؤديها الرجال، ويرتدي الراقصون فيها الملابس التقليدية حاملين السيوف.
الملابس التقليدية لمنطقة البحر الأسود في تركيا
الملابس التقليدية لمنطقة البحر الأسود في تركيا ملونة ومميزة، وهي مصنوعة من مواد طبيعية مثل الصوف والقطن والكتان.
فتتكون ملابس الرجال عادةً من نوع فضفاض من السراويل المصنوعة من الجوخ الأسود أو الأزرق مع درزات مطرزة بالحرير الأسود بدلاً من البنطلون العادي، بالإضافة إلى سترات وأغطية للرأس وأحذية يمنية.
بينما تتميز الملابس التقليدية للنساء بغطاء الرأس العربي التقليدي المصنوع من وشاح قطني مربع.
وتشمل ملابس النساء القرويات عناصر أخرى مثل الأطواق والجيوب الصغيرة والمآزر والدانتيل والتطريز وتضم فساتين المخمل والسترات والسراويل الفضفاضة وكذلك الأحذية اليدوية الصنع التي تشبه الصندل الجلدي.
مطبخ البحر الأسود في تركيا
يعد مطبخ منطقة البحر الأسود من أفضل المطابخ التركية، إذ يتأثر الطعام بالجغرافيا والمناخ الفريدين في المنطقة.
تشتهر المنطقة بمأكولاتها البحرية الطازجة ومنتجات الألبان والخضر الورقية. تشمل بعض الأطباق الأكثر شعبية من منطقة البحر الأسود ما يلي:
- طبق القويماق Kuymak: وهو طبق يخلط فيه الدقيق والزبدة في إناء صغير ويوضع على النار ويحرك باستمرار حتى يكون أصفر اللون.
ثم يخلط جيداً إلى أن يكون ثقيلاً مثل القشدة أو عجين زلابية وثم يوضع على النار الهادئة من جديد حتى يظهر السمن على السطح.
- لاز بوريك LAZ BÖREĞİ: هذا الطبق عبارة عن معجنات ذات طبقات من العجين المحشو بالكاستر السميك.
- شوربة لاهانا LAHANA ÇORBASI: هو حساء الملفوف مع الفول، ولا يمكن صنع هذا الطبق في غير منقطة البحر الأسود، إذ يلزم للحصول على المذاق المميز لهذا الطبق استخدام الزبدة المنتجة في مرتفعات البحر الأسود.
- محشي سمك بالاموت Palamut Dolması: طبق سمك محشي بالجوز والزبيب والصنوبر، ويقدم ساخناً من الفرن مع إضافة الليمون.
- بانجر: Pancar طبق يشبه المحشي في البلاد العربية لكن يختلف بأن أوراق الملفوف الأسود "السِّلِق" هي التي تلف وتحشى بالأرز مع اللحمة المفرومة، وتؤكل بعد صب اللبن فوقها.
اقتصاد منطقة البحر الأسود في تركيا
يمكن القول بأن اقتصاد منطقة البحر الأسود في تركيا قائم على الصيد والزراعة والسياحة.
إذ تنتج منطقة البحر الأسود 70% من نسبة الصيد في جميع تركيا، حيث الحياة البحرية أغنى فيها من البحر المتوسط بالنسبة للبلاد. ومن أهم الأسماك في المنطقة سمك السردين أو ما يسمى بالتركية همسي Hamsi.
ونتيجة لأجوائها الرطبة طول العام ومع وفرة مياه الأمطار والأنهار، تزدهر الزراعة في المنطقة.
إذ تشتهر المنطقة بزراعة الشاي بكميات كبيرة، فوصل الإنتاج عام 2019 إلى ما يقرب من 1.45 مليون طن.
وبالإضافة إلى ذلك، تنتج ما يقرب من 80% من إنتاج تركيا من البندق و40% من إنتاج الذرة.
أما بالنسبة للسياحة، فتعد المنطقة وجهة السياح العرب الأولى، إذ يغلب على منطقة البحر الأسود الطابع المحافظ على خلاف السياحة في مناطق البحر المتوسط.
لذا تستقطب العديد من السياح العرب، حيث أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة ولاية طرابزون التركية سعاد حاج صالح أوغلو، أن منطقة البحر الأسود تستقبل 500 ألف سائح عربي سنويا.
جدير بالذكر أن منطقة البحر الأسود شمالي تركيا، تشتهر بطبيعتها الخضراء الخلابة كبحيرة أوزنجول، من الهضاب والمرتفعات الجبلية كمرتفعات حيدر نبي والأنهار والشواطئ وغيرها.