في مدينة قيصري وفي قرية صغيرة تسمى اغرناص، ولد المعمار سنان عام 1490 ليغيّر بعدها وجه العمارة العثمانية للأبد.
500 مسجد، 40 مدرسة وعشرات الجسور والخانات والمخازن والحمامات والقصور كانت كفيلة بأن تجعل سنان يصعد سلم المهندسين حتى يرتقي ذلك المرتقى الصعب ويعين كبيرا للمهندسين العثمانيين.
ارتحل سنان مع حملات الجيش العثماني عبر مناطق جغرافية واسعة عبر فيها الأناضول وأوروبا وأجزاء كبيرة من آسيا.
وأفادته هذه الرحلات في الاطلاع على كثير من معمار الشرق والغرب ومختلف فنون العمارة السلجوقية والمملوكية والأيوبية وغيرها.
ويمكن القول إن إسطنبول كانت شيئا قبل المعمار سنان وشيئا آخر بعده، بعد أن ملأت آثاره هذه المدينة.
فلا تكاد تمشي في أزقتها إلا وتجد أثرا لهذا المعمار أو مبنى قديما من ترميمه.
ورغم زلازل إسطنبول القاسية التي سوّت كثيرا من معالمها بالأرض ليعاد إعمارها لاحقا، فإن كثيرا من أعمال سنان صمدت في وجه حوادث الدهر وتقلباته، لتكون شاهدة على متانة وصلابة هذا المعمار الخالد.
أهم آثار المعمار سنان في اسطنبول
بعد مرور أكثر من 400 عام على وفاته، لا يزال المعمار سنان حيا في أذهان كل محب للعمارة.
إذ لم تقتصر آثاره على تركيا فقط بل امتدت لتشمل كثيرا من الأراضي التي حكمتها الدولة العثمانية شرقا وغربا.
للمعمار سنان عدة آثار في إسطنبول بين جسور وأحزمة مياه وحمامات وجوامع ومستشفيات وأضرحة.
نحصر في هذا المنشور أهم ثلاثة أعمال للمعمار سنان في إسطنبول تؤرخ مسيرته المعمارية الحافلة.
جامع شهزاده
جامع جميل يقع في قلب المدينة عند منطقة كاليندرهانه، بناه المعمار سنان عام 1548 تخليدا لشهزاده محمد ابن السلطان سليمان القانوني الذي توفي في سن صغيرة، وبه ضريح شهزاده، ومدرسة ومستوصف تابعان للجامع، وعلى سواريه كثير من النقوش التاريخية.
على الجانب الأيسر من ضريح شهزاد محمد يوجد قبر رستم باشا ذو القبة الواحدة وهو أيضا من آثار سنان. بدأ بناء هذا الجامع عام 1543 واكتمل في عام 1548.
جامع السليمانية
هذا الجامع من أجمل ما بنى المعمار سنان عام 1557، حيث بني على تلة من تلال إسطنبول السبعة مطلا على مضيق البوسفور وأجزاء من هذه المدينة الساحرة.
بنى المعمار سنان هذه الجامع بأمر من السلطان سليمان القانوني وجعله غاية في البهاء والحسن.
فهو مجمع يحتوي على جامع ومدرسة وحمام ودار ضيافة ومرافق أخرى، وفيه ضريح السلطان سليمان القانوني وابنته مهرماه سلطان.
ولنعرف مدى ضخامة هذا الجامع فحديقته تبلغ مساحتها حوالي 6000 متر مربع بها 11 بوابة.
حول حديقة الجامع، جرى إنشاء سبع مدارس لمستويات مختلفة وتعرف باسم مدارس السليمانية.
جامع شمسي باشا في أسكودار
يقع جامع شمسي أحمد باشا على ساحل أسكودار وهو أحد آثار المعمار سنان التي بناها عام 1580 بأمر من شمسي باشا، الذي كان كبير الوزراء لفترة قصيرة.
ولهذا الجامع قصة عجيبة إذ يقال أن المعمار سنان بناه في نقطة يلتقي بها مضيق البوسفور مع بحر مرمرة، حيث تصطدم الرياح ببعضها مما يصعب على الطيور أن تحط على قبة المسجد، لهذا تكون قبة جامع شمسي باشا نظيفة دائما.
بجوار الجامع، يقع قبر الوزير الأعظم "شمسي أحمد باشا" الذي يطل على الساحل مباشرة، وفيه الآن مكتبة صغيرة كانت تستخدم كمدرسة قديما.
وفاة المعمار سنان
اختتم المعمار سنان مسيرته المعمارية الحافلة بأن أوصى في آخر حياته أن يكتب له كتاب يؤرخ آثاره بصورة شعرية جميلة.
فكتب له صديقه مصطفى شلبي كتاب تذكرة البنيان وهو مخطوط موجود في الأرشيف حتى يومنا هذا.
توفي المعمار سنان بإسطنبول عام 1588 ودفن في قبر متواضع بجوار إدارة الإفتاء خارج حديقة جامع السليمانية.