يعود تاريخ السينما التركية إلى أوائل القرن العشرين عندما بدء رواد مثل فؤاد أوزكيناي Fuat Uzkınay وسيفي حفيري Seyfi Havaeri تقديم فن صناعة الأفلام إلى البلاد.
منذ ذلك الحين، بدأت تتطور السينما التركية، حيث تكيفت مع الأعراف المجتمعية المتغيرة، والمناخات السياسية المتقلبة، والتقدم التكنولوجي المستمر.
وتضم الأفلام التركية اليوم مجموعة واسعة من الأنواع، بما في ذلك الدراما والكوميديا والملاحم التاريخية والإنتاج الفني الذي يثير الفكر.
بتراثها الثقافي الغني، ورواياتها المتنوعة، وصانعي الأفلام الموهوبين، أنتجت تركيا عددًا كبيرًا من الأفلام البارزة التي جذبت الجماهير وحصلت على تقدير دولي.
في هذا التقرير، سننطلق في رحلة سينمائية لاستكشاف أفضل 10 أفلام تركية كان لها تأثير على صناعة السينما في البلاد.
وجرى اختيار هذه الأفلام بناء على الإشادة النقدية والنجاح التجاري والتأثير الثقافي والمساهمات في صناعة السينما التركية.
أبرز الأفلام التركية
الطريق 1982 "Yol"
فيلم من إخراج شريف غورين Serif Gören ويلماز جوني Yılmaz Güney، هو فيلم رائد لا يزال يتردد صداه لدى الجماهير والنقاد على حد سواء، حتى بعد عقود من صدوره.
يتعمق الفيلم في حياة خمسة سجناء حصلوا على إجازة لمدة أسبوع من السجن. وأثناء تجوالهم في التضاريس الصعبة للجغرافيا والمجتمع التركي، يستكشف الفيلم موضوعات الحرية والظلم الاجتماعي وتعقيد الحالة الإنسانية.
استحوذ الفيلم على اهتمام المجتمع السينمائي العالمي وحصل على إشادة كبيرة من النقاد.
دخل الفيلم التاريخ في مهرجان كان السينمائي عام 1982 بفوزه بجائزة السعفة الذهبية المرموقة، وهي أعلى تكريم يُمنح لفيلم في المهرجان.
لم يرفع هذا التكريم السينما التركية إلى المسرح الدولي فحسب، بل أدى أيضًا إلى ترسيخ فيلم "Yol" باعتباره تحفة فنية مبدعة في صناعة الأفلام التركية.
بعيد Uzak 2002
فيلم من إخراج نوري بيلجى جيلان Nuri Bilge Ceylan مؤثر واستبطاني يتعمق في موضوعات الوحدة والعزلة والتوق إلى التواصل الإنساني.
تدور قصته حول قريبين منفصلين، محمود ويوسف، يجدان نفسيهما يعيشان تحت سقف واحد في إسطنبول.
فبينما يواجهان استياءهما الشخصي ويتصارعان مع مسافاتهم العاطفية، يستكشف الفيلم أغوار النفس الإنسانية وتعقيداتها.
بجانب ذلك، يتميز الفيلم بالتصوير السينمائي المذهل، الذي يجسد جوهر المشهد الحضري لإسطنبول بتفاصيل رائعة.
وقد حاز الفيلم على إعجاب الجماهير والنقاد على حد سواء، بالإضافة إلى إشادة واسعة من الجميع.
وهو ما مكنه بالفوز بالجائزة الكبري خلال مهرجان كان السينائي 2003، وهي ثاني أكثر جائزة مرموقة في المهرجان بعد السعفة الذهبية.
ويعتبر الفيلم نقطة تحول في السينما التركية، إذ دفع نجاحه لزيادة الاعتراف بالأفلام التركية على الساحة الدولية.
البيات الشتوي 2014 "Winter Sleep"
فيلم آخر من إخراج نوري بيلجى جيلان Nuri Bilge Ceylan، يعد استكشافًا بارعًا أيضًا للعلاقات الإنسانية، والتأمل الذاتي، وتعقيدات الطبيعة البشرية.
يتتبع الفيلم حياة آيدين Aydin، صاحب الفندق الثري، وزوجته الشابة نهال، وأخته المطلقة حديثًا نجلا، الذي تدور أحداث حياتهم في منطقة معزولة في مدينة كابادوكيا خلال فصل الشتاء.
ومن خلال الحوار المصمم بدقة وتطور الشخصيات بعمق، يقدم الفيلم فحصًا مثيرًا للتفكير في بعض المعضلات الأخلاقية وطبيعة التعاطف البشرية، حيث يتعاطى مع دوافع الشخصيات الخاصة ومخاوفهم وصراعاتهم الداخلية.
وبالطبع نال فيلم استحساناً دولياً مما جعله يفوز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2014، مما عزز مكانة نوري بيلجى جيلان Nuri Bilge Ceylan كمخرج وشخصية بارزة في السينما العالمية.
حدث ذات مرة في الأناضول 2011 "Once Upon a Time in Anatolia"
فيلم آخر من إخراج نوري بيلجى جيلان Nuri Bilge Ceylan، وهو قطعة فنية ساحرة تغمرها أجواء الغموض، وكعادة أفلام نوري، يتعدى الفيلم قصة الجريمة، ليتعمق أكثر في موضوعات وجودية عميقة.
تدور أحداث الفيلم عن مجموعة من الرجال، بينهم مفوض شرطة وطبيب ومشتبه به في جريمة قتل، وهم يشرعون في البحث طوال الليل عن جثة مدفونة في سهول الأناضول الشاسعة.
من خلال السرد والإيقاع الواقعي، والتصوير السينمائي المذهل، يقدم الفيلم استكشافًا تأمليًا للطبيعة البشرية والأخلاق ونسيج الحياة الهش.
ونجح الفيلم في التأكيد على الرؤية الإبداعية والتألق التقني لصانعي الأفلام الأتراك، مما أكسبه إشادة واسعة على الصعيد الدولي وجعله يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان كان 2011.
موستانغ 2015 "Mustang"
فيلم من بين أكثر الأفلام التركية التي اكتسبت شهرة استثنائية على الساحة الدولية، إذ حصل "Mustang" على إشادة من النقاد في جميع أنحاء العالم وحصل على ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، مما عزز مكانته كمساهمة مهمة في السينما التركية.
وهو فيلم مؤثر ومشحون عاطفياً يعالج قضايا اجتماعية مهمة في سياق قرية تركية محافظة، حيث تتنقل خمس شقيقات يتيمات لمواجهة التحديات والقيود التي يفرضها مجتمعهن التقليدي عليهن.
فبعد يوم بريء من اللعب على الشاطئ مع فتيان من مدرستهم، تأخذ حياتهن منعطفاً دراماتيكياً حيث يساء تفسير الحادث ويؤدي إلى عواقب وخيمة.
ونجحت مخرجة الفيلم، دنيز جامزي إرجوفين Deniz Gamze Ergüven، بصياغة الفليم برواية قوية توضح القيود المفروضة على النساء داخل بعض المجتمعات.
ضد الجدار 2004 Head-On
فيلم من إخراج فاتح أكين Fatih Akin، يدور حول العلاقة المضطربة بين اثنين من المهاجرين الأتراك والألمان، جاهد وسيبل، اللذين يعيشان في هامبورغ.
كلا الشخصيتين متأثران بشدة بماضيهما ويجدان العزاء في بعضهما البعض، مما يؤدي إلى اتصال معقد وعاطفي.
ويسلط الفيلم بأحداثه الضوء على التعقيدات التي يواجهه المهاجرون في المجتمعات الجديدة، حيث يجد المهاجر نفسه بين تراثه القديم والمجتمع الجديد الذي يسميه الآن وطنه.
واستحوذ الفيلم على إعجاب شريحة واسعة من الجماهير، واستطاع الفوز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2004.
معجزة في الزنزانة 7. (2019) 7. Koğuştaki Mucize
فيلم درامي من إخراج محمد أدا أوزتيكين Mehmet Ada Öztekin، عبارة عن دراما عاطفية تستكشف قوة الحب ومرونة الروح البشرية.
يحكي الفيلم قصة ميمو Memo، وهو رجل يعاني من مشاكل عقلية أدين ظلماً بجريمة لم يرتكبها. وبعد انفصاله عن ابنته الصغيرة، أوفا، يجد نفسه في زنزانة مع مجموعة من السجناء الذين سيصبحون عائلته.
يأخذ الفيلم المشاهدين في رحلة مؤلمة حيث يجتمع زملاء ميمو في الزنزانة لمساعدته على لم شمله مع ابنته.
فنجد الفيلم يتعمق بقوة في موضوعات الصداقة والولاء والسعي لتحقيق العدالة في مواجهة الشدائد. إذ يستكشف أعماق الاتصال البشري والقوة التحويلية للحب غير المشروط.
صدر الفيلم عام 2019، وحقق نجاحًا هائلاً في شباك التذاكر داخل تركيا واكتسب شهرة دولية لطريقة سردة الصادقة.
وكان للفيلم صدى لدى الجماهير في قاعات السينما بسبب أدائه القوي وقدرته على إثارة مجموعة واسعة من المشاعر، من الضحك إلى البكاء.
ورغم ترشحه للعديد من الجوائز والترشيحات، لم يفز بجوائز دولية كبرى، إلا أنه حقق شهرة كبيرة في صناعة السينما التركية واكتسب شعبية بين الجماهير.
فيلم البراءة "Masumiyet"
فيلم درامي نفسي يتعمق بقوة في تعقيدات الذنب، والبراءة والمسؤولية الشخصية.
تدور أحداثه حول فتاة تدعى إيبيك، وهي شابة تتورط في شبكة من الأسرار والخداع عندما تقع في حب رجل متهم بالقتل.
الفيلم مثير للغاية إذ يطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة الحقيقة، وهشاشة البراءة، والقدرة البشرية على التضحية.
صدر الفيلم عام 1997، وهو من إخراج زكي ديميركوبوز Zeki Demirkubuz وقد نال استحسان النقاد لسرده المقنع، وتصويره السينمائي الرائع، بجانب موسيقي الفيلم المزاجية التي تجلب المشاهدين إلى عالم من التشويق والاضطراب العاطفي.
لم يحصد الفيلم جوائز عالمية، لكن على المستوى المحلي نال جائزة جولدن توليب لأفضل فيلم تركي خلال مهرجان إسطنبول السينمائي الدولي عام 1998.
العشق يحب الصدف Aşk Tesadüfleri Sever
فيلم درامي رومانسي تركي شهير من إخراج عمر فاروق سوراك Ömer Faruk Sorak، صدر في عام 2011.
يحكي الفيلم قصة حب متشابكة لشاب وفتاة على مدار ثلاثة عقود، عاشا طفولة جميلة وخاصة، فجمعتهما العديد من الصدف، كنفس توقيت ومكان الولادة، ومع توالي الأيام يتفرقا إلا أنهما يعودا فيتقابلا.
ينتقل الفيلم بين فترات زمنية مختلفة، ويستكشف موضوعات القدر، والصدفة، وقوة الحب.
يعرض الفيلم كيف تتقاطع حياة الشخصيات وكيف تتشابك مصائرهم من خلال سلسلة من لقاءات الصدفة والصلات غير المتوقعة.
وبينما تلقى الفيلم آراء متباينة من النقاد، فإن شعبيته بين الجماهير ونجاحه في شباك التذاكر عزز مكانته كفيلم رومانسي تركي محبوب.
وترددت شهرة الفيلم خارج تركيا، مما أدى إلى إطلاقه في العديد من الأسواق الدولية. وقد أدى نجاح الجزء الأول إلى صناعة جزء ثاني منه "Aşk Tesadüfleri Sever 2"، والذي تم إصداره في عام 2019.
فندق البلد الأم Anayurt Oteli
فيلم تركي بارز من إخراج عمر كافور Ömer Kavur صدر عام 1987، وهو مقتبس من رواية يوسف أتيلجان Yusuf Atılgan الشهيرة التي تحمل نفس الاسم.
ويناقش الفيلم موضوعات العزلة والغربة والرغبة البشرية في التواصل، إذ تدور أحداثه حول رجل منعزل ومنطوٍ يعمل كموظف ليلي في فندق صغير يسمى Anayurt Oteli في بلدة ريفية في تركيا.
وتنعكس عزلة هذا الموظف على حياته وعلاقاته جميعها، ومع تقدم السرد، يتم الكشف عن عالم هذا الموظف الداخلي من خلال تفاعلاته مع ضيوف الفندق.
ويعد الفيلم عملاً مهمًا في السينما التركية، حيث يتم الاحتفاء به لاستكشافه المؤثر للمشاعر الإنسانية والعزلة الاجتماعية والتوق إلى التواصل.
وقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة Golden Orange لأفضل فيلم في مهرجان أنطاليا الذهبي البرتقالي السينمائي عام 1987. كما نال شهرة دولية وعُرض في العديد من المهرجانات السينمائية في جميع أنحاء العالم.