تُعَدُّ جائزة نوبل من أعلى الأوسمة التي يمكن أن يحظى بها الفرد في مجالات متعددة من الإنجازات البشرية.
وتُمنح جائزة نوبل سنويًا في الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام، وأخيرًا جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، وتعتبر هذه الجائزة إحدى أهم الاعترافات الدولية بالإبداع والتفوق.
تأسست جائزة نوبل على يد العالم السويدي الشهير ألفريد نوبل، وذلك وفقًا لوصيته التي تُعَدُّ واحدة من أكبر تبرعات العالم. ففي وصيته، أعلن نوبل عن رغبته في تكريم الأفراد الذين يسهمون في رفعة البشرية من خلال إسهاماتهم المتميزة في العلوم والأدب والسلام.
أتراك حازوا على جائزة نوبل
وبالطبع كان لتركيا نصيب في هذه الجائزة بشكل مستحق، إذ حصل عليها اثنين وهما عزيز سنجار عالم الكيمياء وأورهان باموق الذي أصبح أحد أعمدة الأدب التركي والعالمي.
أورهان باموق Orhan Pamuk
ولد أورهان باموك في مدينة إسطنبول في السابع من شهر يونيو/حزيران عام 1952، ونشأ في عائلة ثرية. في بداية مسيرته العلمية، قرر دراسة الهندسة المعمارية، إلا أنه قرر بعد ثلاث سنوات أن يغير مساره.
وقرر هنا أن يستكشف شغفه الحقيقي في الأدب وكتابة الروايات. فبدأ دراسة الصحافة، واستفاد من تلك الخبرة في تطوير مهاراته بالكتابة وفهم الأحداث الاجتماعية والثقافية.
من هذه النقطة، تمكن أورهان باموك من تحقيق النجاح الكبير ككاتب وروائي، وأصبح واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية في تركيا والعالم، حيث سعى دائماً لفهم وتحليل التحولات الاجتماعية داخل تركيا.
فحاز على جائزة نوبل في الآداب عام 2006، وترجمت أعماله إلى أكثر من 34 لغة مختلفة بالإضافة إلى قراءتها في في أكثر من 100 دولة حول العالم.
تتميز رواياته بأسلوبه الفريد ورؤيته المغايرة للأحداث التاريخية. إذ يعيد بناء الأحداث التاريخية المهمة ويقدم رؤية جديدة ومختلفة لها، عن طريق استخدم أسلوب تحليل السلوكيات وتسليط الضوء على التناقضات والأساطير في عملية ولادة تركيا الحديثة.
يعتبر باموك من الأدباء الذين يحاولون توضيح النتائج التي أفرزتها الأحداث التاريخية بصورة مختلفة عما هو معروف ومتداول في المجتمع.
بدأ مسيرته الأدبية بصعوبة، إذ لم يجد ناشرا واحدا يقبل طباعة روايته الأولى، جودت بك وأولاده (Cevdet Bey ve Oğulları) عام 1979 فظلت حبيسة مكتبة، إلا أنه قرر عام 1982 طباعتها على نفقته الخاصة، ليحصل بها على جائزة الصحافة آنذاك.
ومن ثم استمر في الكتابة وتمكن من الوصول إلى الجمهور برواياته "اسمي أحمر" (Benim Adım Kırmızı) وثلج (kar) التي حازت على شهرة عالمية واسعة في عالم الأدب.
إذ يعكس فيهما باموك الصراعات الداخلية في المجتمع التركي والتوتر بين الأصالة، والتجديد، وقصة المواجهة بين الشرق والغرب.
فيتناول بخفه وعمق بعيد عن السطحية قضايا التعصب الديني والصراعات السياسية، ومن ثم يسلط الضوء على هوية الأتراك وتحولات البلاد السياسية والاجتماعية.
استطاع باموق بقلمة رسم لوحة فنية لواقع الدولة التركية وصراعاتها وتحولاتها بخفة أدبية ودقة أكاديمية استحقت التتويج بنوبل.
عزيز سنجار Aziz Sancar
في عام 2015 كان تركي آخر على موعد مع جائزة نوبل لكن في الكيمياء. إذ تمكن عزيز سنجار وبالاشتراك مع زميليه السويدي، توماس ليندال، والأمريكي، اول مودريك من وضع خريطة لكيفية قيام الخلايا بإصلاح التلف في الحمض النووي، وكيفية حماية المعلومات الوراثية.
ولد عزيز سنجار في 8 سبتمبر/أيلول 1946 في بلدة سفور بضاحية مدينة ماردين في تركيا. وقد حصل على درجة البكالوريوس في الطب عام 1969 من جامعة إسطنبول، ومن ثم حصل على درجة الدكتوراه في تحسين وإصلاح الحمض النووي من جامعة تكساس دالاس في الولايات المتحدة.
واضطرر سنجار لمغادرة تركيا عام 1974 نظراً للإمكانات الضعيفة آنذاك في مجال العلوم الأساسية، وتوجه إلى الولايات المتحدة.
أما الآن، وحسب تصريحاته بعد الجائزة، أصبح الوضع مختلفا في تركيا، فثمة استثمارات في مجال العلوم الأساسية.
ولا تكمن أهمية عزيز سنجار في كونه أول تركي يحصد جائزة نوبل في الكيمياء، بل في ما قدمه للبشرية من مجهود وتفان عظيم.
إذ وفرت أبحاثه معلومات في غاية الأهمية عن كيفية عمل الخلايا، وفسحت المجال لتطوير علاجات جديدة لأمراض سرطانية، مبينًا أن الحمض النووي للإنسان يتعرض إلى أضرار بشكل يومي بسبب الأشعة فوق البنفسجية، والجذور الحرة، إضافة إلى مواد سرطانية أخرى.
واشتهر سنجار بأبحاثه في مجال تصنيف الحمض النووي وتطبيقاته في العلاجات الحديثة للأمراض، بما في ذلك السرطان، كما نشر العديد من المقالات العلمية والكتب في هذا المجال.
والأتراك الحائزين على جائزة نوبل يعكسون الإرث الثقافي والعلمي لتركيا، ويساهمون في إبراز قدرات الأفراد وتحقيق الريادة في مختلف المجالات.
فبإنجازاتهم بجانب أقرانهم العرب الحائزين على نوبل، مثل نجيب محفوظ وأحمد زويل، يتعزز الفخر والاعتزاز بالشرق وإسهاماته، ويدفع الأجيال القادمة إلى تحقيق النجاح والابتكار في خدمة مجتمعاتهم.